• الاحد 11 ذوالقعدة 1445 هـ ,الموافق :19 مايو 2024 م


  • أسباب الفتور العلمي

  •  

    في مجتمع طلاب العلم تشاهد بعض الشباب الذين ربما كانوا على تميز في طلب العلم ولعل بعضهم كان ممن يشار إليه بالبنان في العلم ، ترى بعضهم وقد هجر مجالس العلم ، والبعض ترك القراءة ، ومنهم من باع مكتبته ، ورابع وخامس .

    ياترى لماذا وقعوا في الفتور العلمي ، وماهي الأسباب التي تجعل بعض الطلاب يتركوا العلم ؟

    بعد البحث والسؤال توصلت لبعض الأسباب :

    1- ضعف الرغبة من البداية ، لأن الرغبة والحماس والشغف بالعلم تختلف من شخص لآخر ، فكلما كانت الرغبة قوية وتعاهدها صاحبها بذكاء ، كلما بقي حماسه للعلم لسنواتٍ طويلة .

    والدواء لهذا أن يراجع ماكتبه العلماء عن فضل العلم ، ويجاهد نفسه عليه ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) . 

    2- التقليد في العلم ، وأقصد بذلك أن صاحبنا لم يسلك طريق العلم رغبةً من قلبه وقناعةً بفضله ، بل سلكه تقليداً لشيخه ، أو لزملاءه الذين كان معهم ، فلما شاهدهم في الدروس العلمية زاحمهم ، ولما رآهم يشترون الكتب ، اشترى مثلهم ، ولكن لاتوجد لديه قناعة ذاتية بأهمية العلم ، فهذا في الغالب لايستمر على العلم .

    والحل لهذا أن يتعلق بالعلم وليس بالأشخاص وأن يثبت على طريق العلم ، وسوف يفتح الله عليه .

    3- ضعف الإخلاص والتجرد لله تعالى ، وهذا السبب يؤثر بشكل كبير في الثبات على العلم ، لأن الإخلاص هو الزاد الحقيقي للانتفاع بالعلم والثبات عليه ، وعلى قدر قوة الإخلاص يكون التوفيق في العلم والانتفاع به .

    والحل لهذا أن يراجع نيته ، ويجدد إخلاصه ، ويسأل ربه النية الصادقة . 

    4- ملازمة الكسالى الذين لارغبة لهم في العلم ، ولاشك أن الشخص يتأثر بمن يجالس ، والطِباع سرّاقة ، وكم رأينا من طلاب للعلم هجروا العلم بسبب بعدهم عن أهل العلم ، ودواء هذا الداء في ملازمة الشيوخ وطلاب العلم الجادين ، وبالتجربة فمن يلازمهم سيشعر بحماس شديد للعلم في كل لقاء ، لأنه يرى فيهم العلم ، ويسمع منهم الفوائد ، والجديد من الكتب ، والاطروحات وغيرها من المشوقات العلمية .

    5- ضعف العمل بالعلم ، والشعور بأنه حمل ثقيل ، يجعل المرء يتقلل منه حتى يتركه بالكلية ، والجواب عن هذا بأن نقول إننا لايمكننا أن نعمل بكل شيء ، والعبرة بالمجاهدة ، وربنا يقول ( فاتقوا الله ما استطعتم ) .

    6- الانشغال بمواقع التواصل عن طلب العلم ومتابعة الجديد فيه ، وقد يعتذر هذا بمتابعة الأخبار و المشاهير أو الواقع والسياسة ونحو ذلك ، وكلها أعذار واهية ، لأن العلم لايعدله شيء ، ومن أراد متابعة الواقع و السياسة وغيرها فإنه يستطيع من خلال ترتيب وقته ، لا أن يترك العلم بالكلية .

    ومن تجربتي مع الجوال أني أقفله في ساعات من يومي ، مثلاً بعد العشاء حتى الفجر ، في بعض الأيام ، وفي يومي الإجازة أقفله من الفجر حتى الظهر ، وفي ذلك الوقت أجد نفسي قضيت وقتاً ممتعاً مع العلم بدون أن اشتغل بمواقع التواصل .

    7- الإنهماك في الأعمال الدنيوية بدون الترتيب لها والموازنة بين المهم والأهم والفاضل والمفضول ، فهذا تزوج ثم ترك العلم ، وهذا توظف ثم ترك العلم ، وهذا دخل في مشروع تجاري ثم زهد في العلم ، والحل لهذا أن يرتب وقته ويوازن بين العلم وبين الحقوق الأخرى كالأسرة والتجارة وغيرها ، والدنيا بكل أشغالها ليست عذراً في التقصير في العلم ، فهذه سيرة الصحابة وهم من أهل العلم ، كان البعض منهم يتاجر ويطلب العلم ، والآخر له أكثر من زوجة وهو من أهل العلم ، وهكذا سير العلماء على مر التاريخ ، والقاعدة النبوية ( أعط كل ذي حق حقه ) .

    8- التقصير في تعليم الناس ، وهذا يجعل الطالب لايشعر بحاجة الناس لما عنده ، ومن ثمَّ يبدأ يقصر في العلم والتعلم والمدارسة ، وأما طالب العلم المشتغل بالدعوة فتجده منهمك بشدة في التعلم والتحضير ومراجعة المسائل والفتاوى لأنه يواجه الناس ، ويسمع أسألتهم ومشكلاتهم فيبحث عن أجوبة لها ، لأنه يريد نفعهم وتعليمهم ، وهذه من بركة العلم أن تكون حريصاً على تعليم الناس .

    وقد قال الأول عن العلم  :

    يزيدُ بكثرة الإنفاق منه      وينقص أن به كفاً شددتا .

    وقد وعد الله عباده المحسنين بالزيادة ، والعلم هو أعلى صور الإحسان قال تعالى ( وسنزيد المحسنين ) والمفهوم المخالف أن من لم يحسن فلن يزيده الله .

    9- تزهيد الناس في العلم ، فقد نجدُ طالباً للعلم يعاني من أسرته التي تزهده في العلم ، وربما عاتبته على تلك الكتب التي يشتريها ، أو تلك الدروس التي يحضرها ، فيستجيب لذلك العتاب ويترك التعلم ، وكان الواجب عليه أن لايلتفت لهذا التزهيد وأن يجاهد نفسه على الثبات وأن يعتز بالعلم ولايتنازل عنه عند أدنى عتاب يأتيه .

    10- التشدد في طلب العلم في البدايات ، فهذا يعتزل الناس في بداياته ويشتري مئات الكتب ، ويجلس بالساعات على القراءة ، وهكذا بكل شدة وحماس ، ولكنه بعد أيام يشعر بالملل ، ويكتشف أنه على خطأ ، فيترك العلم .

    والحل أنه بعد اكتشاف خطأه ، يعود ويرتب وقته ، ويخصص وقتاً للعلم وأوقاتاً لاهتماماته الأخرى ، ولايكثر من الاشتغال بالعلم في البدايات ، لأن القاعدة النبوية ( أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل ) رواه البخاري .

    والسلف يقولون : من طلب العلم جملة ذهب عنه جملة ، والعلم يأتي مع الأيام والليالي .

    11- الذنوب ، وما أدراك ما الذنوب ، تمحق بركة العلم وتذهب حلاوته ، ونحن لانقصد أن طالب العلم لابد أن يكون معصوماً فهذا محال ، ولكن طالب العلم يجب أن يكون أتقى من غيره لأنه أعلم من غيره ، والعلم يورث الخشية كما قال تعالى ( إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء ) فهل يليق برجل يحفظ القرآن أو بعضه ويقرأ عشرات الكتب ويحضر الدروس أن يكون مصراً على كبائر الذنوب ، نعم قد يخطئ ويذنب وربما وقع في كبيرة ولكنه يعود سريعاً ويستغفر ربه لأن لديه من العلم مايذكره بربه ويعيده إلى التقوى .

    نسأل الله الثبات على العلم والعمل.

     


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    أيها الأب أنت السبب

    0:00

    همسات في الشتاء

    0:00

    ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ( 3 )

    0:00

    تعرف إلى الله في الرخاء

    0:00

    أعمال القلوب - التوبة

    0:00



    عدد الزوار

    4218629

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1588 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة