مِن أعظم دلائل الذكاء في التعامل مع الحياة، أن نتقن التفريق بين المهم وغير المهم، والعاجل وغير العاجل، لماذا؟
لأن بعض الناس يتعامل مع كل شيء على أنه مهم وعاجل بدون أي دراسة واستشارة، ولا شك أن هذا خطأ كبير.
وتأمل هذه المواقف:
١- ذلك الرجل يفكر في شراء جوال جديد بمبلغ يقارب أربعة آلاف، ولكنه لا يفكر جيداً في سداد تلك الديون التي ماطل فيها كثيراً، ولعله مقصر في بعض طلبات أسرته الضرورية، فيا ترى هل قدّم المهم العاجل أم قدّم التفاخر بجوالٍ جديد؟
٢- تلك المرأة التي تلح على زوجها أن يسافر بها لتلك الدولة التي ربما فاقت تكلفتها نحو عشرين ألف، فهل هذا السفر مهم، أو غير مهم، ولو قلنا إنه مهم فهل هو عاجل أو غير عاجل؟
وقد يستجيب الزوج نتيجة للضغوط منها ومن الأولاد، ويستدين لذلك السفر، ولكنه سيعود بالديون التي ربما أتعبته نفسياً ولعله ينقلبُ على زوجته بعد ذلك بالعتاب، لأنها سببٌ لتلك الديون.
٣- شراء بعض أثاث البيت، قد يكون ذلك غير مهم لوجود أثاث سابق يؤدي الغرض، وقد يكون مهم لأن الأثاث القديم سيء.
٤- في الجانب العلمي، قد يعتني بعض طلاب العلم بفضول العلم من المسائل والبحوث التي ليست مهمة في أصل العلم، بينما يُفوّت على نفسه التركيز على التأصيل العلمي.
وكم رأينا مِن طلابٍ للعلم غابت عندهم الأولويات فكانت مسيرتهم فوضوية، حتى تركوا العلم بعد ذلك، ولو أن ذلك الشاب ركّز على المهمات في العلوم لأصبح من المنتفعين بالعلم المؤثرين في المجتمع.
إذن يا طالب العلم لا تتحمس لشراء كتاب أو قراءته ولا لحضور درس ولا لكتابة بحث حتى تعرض برنامجك على قاعدة المهم وغير المهم، والعاجل وغير العاجل، لأن بعض العلوم مُقدّمة على بعض، وبعضها لا تناسبك في هذه المرحلة ولكنها تناسبك بعد زمن، والتفريق بين ذلك يحتاج إلى ذكاء يا طالب العلم، وإلى استشارة لشيخك القريب منك.
5- في البرامج الدعوية، لابد من التفريق بين المهم وغير المهم والعاجل وغير العاجل، وهنا أمثلة:
1- قبل البدء بإلقاء الكلمات، فمن المهم التدرب على الإلقاء من خلال دروة تدريبية أو استشارة لمُتحدثٍ ناجح ممن تعرف، لأن فنّ الإلقاء أهمّ من مجرد الإلقاء، وكم رأينا مِن متحدثٍ لا يجيد فنون الحديث حتى إنك تتمنى أن يسكت مِن كثرة الأخطاء التي ألقاها عليك في تلك الكلمة أو تلك الخُطبة.
والعجيب عند بعض هؤلاء، أنك لو قلتَ له: ما رأيك أن تُنمّي مهارة الإلقاء عندك، لرماك بعينٍ حاقدة، ولو نطق لقال: هل تعني أني لا أعرف الإلقاء؟ يا أخي إنّ التدرب على الإلقاء ليس عيباً، ولا ينقص قدرك، بالعكس، سيزيدك ثقة بنفسك، وتأثيراً لمن يستمع لك.
2- اختيار عناوين خطب الجمعة يحتاج إلى ذكاء، فهناك المهم الذي يحتاجه كل الناس من عقائد وعبادات وأخلاق ومعاملات وقضايا أسرية، وهناك موضوعات غير مهمة وغير عاجلة، لعدم الحاجة لها غالباً أو لعدم مناسبتها، والتوفيق لذلك الاختيار مِن نعمِ اللهِ على ذلك الخطيب.
3- المسلمون في بلاد الغرب، يحتاجون لمزيد مِن الفقه في مراعاةِ هذه القاعدة لأنّ الظروف عندهم مختلفة والنوازل متجددة، ومراعاتهم للمصالح العامة لن تتحقق بعد توفيق الله إلا بالتعمق في التدرب على فقه الأولويات وتقديم ماحقّهُ التقديم وتأخير ماحقّهُ التأخير.
6- في دائرة العمل، قد يجتهد المدير في إصدار قرارات ولكن عند التحقيق سيكتشف هو أو من حوله بأن بين سطورها قضايا غير مهمة أو غير عاجلة، وبالتالي يُفوّت على الآخرين مصالح كبرى هي مِن قبيل المهم والعاجل.
7- في المواعيد اليومية، قد ننساق وراء مواعيد ليست مهمة ولا عاجلة، بينما نُفرط في المهم والعاجل، وهنا أمثلة:
1- بعض النساء تتفق مع صديقتها للالتقاء في ذلك السوق، بينما قد تكون مفرطة في واجباتها تجاه زوجها وأولادها، ولو أنها قدّمت المهم العاجل، وجعلت موعد السوق في يوم آخر لكان أفضل.
2- بعض الرجال لديه لقاء مع زملاء الاستراحة بشكل يومي أحياناً، مما يجعله يفرط في أمور أسرته، وهذا خطأ بلا ريب، لأن التوازن مطلوب في مراعاة الحقوق.
3- بعض الناس يعيش يومه في فوضى، وليس عنده جدولاً لأعماله، وهو بهذه الطريقة يعيش في اضطرابٍ وضياع للأوقات، شعر بذلك أو لم يشعر.
أحبتي، إن النفس تحتاج لمجاهدة وتربية وحزم لتحقيق قاعدة المهم العاجل وتأخير غير المهم وغير العاجل.
مكتبة الصوتيات
النظافة ومخالفة اليهود
0:00
سر السعادة
0:00
الإعتكاف
0:00
الكنز المفقود
0:00
فضائل ذكر الله
0:00
عدد الزوار
5080587
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 27 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 93 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1614 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 995 ) مادة |