• السبت 11 شَوّال 1445 هـ ,الموافق :20 ابريل 2024 م


  • الأمن الفكري

  •  

    الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، والصلاة والسلام على من بعثه الله للعالمين فكان سراجاً منيراً ، بلّغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين .

    أما بعد .

    أيها الكرام ، 
    بين يدي مجموعةٌ من الخواطرِ والقواعد والأسس التي يمكننا أن نتعرف فيها على الفكر الغالي المتشدد الذي تتزعمه بعض الفرق الضالة والمنحرفة .

    هذا الفكر المنحرف وأسبابه وعلاماته وكيفية علاجه .

    اذكرُ هذا لنكونَ في حذرٍ من تبعاته ولنحذِّرَ منه أولادنا ، وطلابنا ، وزملاءنا.

    قال تعالى: { وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ }.

    أيها العقلاء ، هذا الفكرُ المنحرف له أسبابٌ فمنها :

    السبب الأول: الجهل ، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج بأنهم " سفهاء الأحلام " رواه أبو داود بسند صحيح .

    ومعنى سفهاء الأحلام أي ضعفاء العقول ، وهذا سببٌ وعلامة في كل منحرفٍ عن الصراط المستقيم .

    السبب الثاني : البعدُ عن العلماء الراسخين ؛ لأن العلماء صمامُ الأمان ، وهم ورثة الأنبياء وأصحاب الحكمة ، فمن جالسهم أو استمع إليهم فسوف يجدُ الكلمة الطيبة والعلم الراسخ والرأي السديد والمنهج المعتدل الذي يناسب الحدث والزمن الذي نعيشه ، العلماء هم الذين يخبرونك بالموقفِ من الفتن وكيفية مواجهتها .

    ولهذا لما سمعنا عن الشباب الذي انحرفوا عن المنهج وجدنا أنهم لايستمعون للعلماء بل إنهم ربما كفروهم، لأنهم يستمعون إلى رموزهم وقادتهم المجهولين عبر الانترنت .

    السبب الثالث : الغلو في النظرة للأمور . 

    إن الغلو من أعظمِ أسباب الانحراف العقدي والتعبدي والسلوكي .

    ولهذا قال ربنا: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ }.

    وقال نبينا صلى الله عليه وسلم " إياكم والغلو ". رواه أحمد بسند صحيح .

    إن الذي يفكر في واقعه من منطلق الغلو لابد أن يخطئ في نظرتهِ للأمور؛ لأن الغلو يأخذه لأبعد المسارات عن المنهج الوسط .

    لقد نظر أولئك الشباب الغلاة للحكام فكفروهم ، ونظروا للعلماء فكفروهم ، ونظروا لرجال الأمن فكفروهم .

    إنه الغلو والتطرف الذي سرى في نفوسهم فأهلك كل شيء ، ولهذا وجبَ علينا أن ننشر المنهج الوسط ، الذي هو من أبرزِ سماتِ ديننا ، كما قال تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ).

    إن الغلو حينما يبدأ فإن عواقبه وخيمه ، ونتائجه لايصدقها عقل ؛ تفجيرٌ للمساجد ، قتلٌ للأبرياء ، بل يقتل بعضهم نفسه بزعم أنه شهيد .

    السبب الرابع : دخول المواقع المشبوهة عبر الانترنت .

    لقد اعترف بعضُ الشباب الذين وقعوا في التطرف أنهم من رواد الانترنت ، 
    وخاصةً تلك المواقع التي تتحدث عن الدولة الإسلامية - زعموا - والخلافة ، والجهاد ، والعمليات الاستشهادية .

    وبعد ذلك ، تمتلأ نفوس الشباب بالحماس والغيرة على الدين والتأثر بما يجري في العالم الإسلامي ، ثم يكون التواصل بينهم وبين تلك المجموعات التي تختبئ وراء الانترنت ، وحينها يكون التجنيد للإرهاب والإعداد له .

    لقد تحدثت الإحصاءات في عام ٢٠١٤ فقط عن ٣ ملايين تغريدة عن داعش ، و ٤٦ ألف حساب في تويتر، و مليون و٧٠٠ ألف مقطع على اليوتيوب .

    إن هذا الجهدُ الكبير عبر الإعلام الجديد بات أمراً مقلقاً ومؤثراً لدى العقلاء ، إنهم يزرعون الفكر المنحرف والغلو في نفوسِ الأمة من خلال تلك الصفحات ، وللأسف لقد وجد من شبابنا من يتأثر بتلك المواقع والحسابات .

    السبب الخامس : " قلة التحصين الفكري لدى مجتمعاتنا ".

    أيها الفضلاء ، إننا في مرحلةٍ صعبة في هذا الزمن ، والفتن تملأ واقعنا ، والأخبار تتحدث عن مآسي وحروب وفتن في بلاد العالم الإسلامي .

    لذا فإن من الواجبِ علينا أن نكثف البرامجَ والدروس والجلسات التي تتحدث عن تحصين الأمة من التطرف والغلو ، لابد أن نعي مايدور في واقعنا من تقلبات فكرية .

    لا بد أن نحصن الشباب من التطرف الفكري ، وهذا دورك أيها الأب في بيتك ، ودورك أيها المعلم في مدرستك ، ودورك أيها الإمام في مسجدك ، ودورك أيها الموظف بين زملاءك .

    إن التحصين الفكري ونشرِ ثقافةِ الأمن الفكري وزرعِ الاعتدالَ في نفوس المجتمع يقيهم بإذن الله من كل ضلال وانحراف .

    إن التحصين مهم لأن الأفكار الضالة لاتنتهي ، حتى لو انتهى فكر داعش فهناك أفكار ومناهج منحرفة أخرى ربما تصل إلينا ، فهناك الإلحاد ، والتغريب ، والتكفير ، والنفاق ، وغيرها من الفتن الفكرية والعقدية التي تتجدد بين وقت وآخر .

    السبب السادس : إهمالُ الأسرة لدورها في التربية ، وهذا واقع عند البعض وللأسف .

    أيها الآباء ، إنكم مسؤلون عمن تحت أيديكم ، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ". رواه البخاري .

    إن الأسرة هي المحضن الأول للشاب ، إن الأسرة المتماسكة تحفظ الشاب من الضياع .
    ولهذا وجدنا أن من أسبابِ وقوعِ الشباب في التطرف هو النشأة في أسرة متفككة " طلاق ، ومشكلات اجتماعية ، عنف أسري ".

    فلم يجد ذلك الشاب في بيته تلك العاطفة ، ولا التربية ولا الاهتمام ، فوجد ذلك في محاضنِ أهل الغلو ، ووجد نفسه بطلاً شجاعاً بينهم ، فاستغلت جماعاتِ التطرف ذلك ، وجندوه ليحقق أهدافهم في التفجيرات .

    إذن ، أيها الآباء ، هذه رسالتي لكم ، اقتربوا من أولادكم ، اجلسوا معهم ، املأوهم بعواطفكم وحبكم ، اسألوا عنهم ، زوروهم في مدارسهم ، تعرفوا على أصدقائهم بطرقٍ ذكية ، حينها نحفظ الشباب بإذن الله من مسارات الانحراف .

    معاشر المسلمين ، إننا حينما نشخصُ المشكلةَ ونذكرُ أسبابها ، فإننا نضعُ مسؤليةَ العلاجِ لها لدى كل العقلاء والفضلاء من الأمة .

    إن علاجَ المشكلاتِ الفكرية أعظم من علاجِ بعضِ الأمراض العضوية ؛ لأن المرض العضوي يضر صاحبه فقط ، وأما المرض الفكري فهو ضار بالمجتمع كله وربما أهلك الكثير من الناس .

    اللهم حقق لنا الأمن والأمان في أفكارنا وبلادنا يا ذا الجلال والإكرام .

     

    -----------------------

    الحمد لله ..

    معاشر المسلمين ، وبعد هذه الجولة في أسباب الانحراف الفكري فتعالوا لبعض الوسائل التي تحمي مجتمعنا من التطرف والغلو :

    أولاً : الحوارُ مع الشباب والنزولُ لمواقعهم والقربُ منهم .
    أيها الفضلاء ، إن كلَ الانحرافات بشبهاتها وشهواتها تتعرض للشباب بشكل أكثر من غيرهم ، لذا وجب على كل واحدٍ منا - كلٌ في مجاله - أن نفتح قلوبنا وعقولنا ومجالسنا للشباب بجميع أطيافه ، لنستمع لهم ، نأخذ بأيديهم للحق ، نعلمهم المنهج المعتدل .

    وتأكدوا أيها الكرام ، أننا حينما ننعزلُ عن الشبابِ ونبتعدُ عنهم ، فإننا نساهم في انحرافهم بشكل تدريجي ؛ لأنهم سوف يجدون في الانترنت من يستمع لهم ويحاورهم ثم ربما وقعوا في التطرف والانحراف .

    ثانياً : بثُ الوعي بالمنهج الصحيح في نفوس الناس . كلٌ في مجاله .

    إن العلمَ أعظمُ سبيلٍ لتحصين المجتمع من الانحراف ، وكلما كان العلم مشاعاً في المجتمع فإننا بإذن الله نساهمُ في تقليلِ الأخطاء الفكرية .

    أنت أيها المعلم ، اغرس الوسطية في نفوس طلابك عبر آيةٍ . أو حديث . أو قصة، أو عبر مقطع تربوي . أو عروضٍ في شاشات البرجكتر .

    استثمر وقت الفراغ في درسك ، اجتمع مع المدير والمعلمين لبناء مجموعة من البرامج المتنوعة التي تخدمُ تحصينَ الشباب فكرياً .

    أنت أيها المدير في دائرتك العسكرية أو المدينة ، اقترب من موظفيك ، واجلس معهم ، وابتسم لهم ، وافتح معهم مواضيع الشباب ومشكلاتهم ، وساهم في حلها ، ورتب مع بعض الدعاة والمفكرين في إلقاء دورات ومحاضرات تساهم في تحصين المجتمع من الانحراف والتطرف والغلو .

    وأنت أيها الإمام ، لماذا لا تتحدث عن الأمن الفكري ، لماذا لا تخصص جزء من دروسك عن وسطية أهل السنة والجماعة في التعامل مع المخالفين ؟

    أين البرامج العلمية التي تؤصل للمنهج السوي في النظرة للأحداث التي تموج في واقع المسلمين ، لابد أن يكون للمسجد دورٌ بارز في محاربة الفكر الضال ، عبر اطروحات متميزة وحوارات مؤصلة ، لعلها تخفف عنا مصيبة الغلو الذي أقلقَ العالمَ بأسره .

    وأنت أيها الإعلامي عبر تلك القناة أو تلك الصحيفة ، أين دورك في بث الوعي في المجتمع في أهمية الأمن الفكري ، والمنهج الوسطي .

    ثم أين دورك في محاربة الفكر المتطرف الآخر " فكر الإلحاد والتغريب " الذي بدأ يداعبُ عقولَ بعض الشباب .

    أيها الإعلاميون ، لديكم فرص كثيرة في تحصين المجتمع ووقايته من الانحراف ، فاجتهدوا ، وعليكم بالإبداع والإتقان في تلك البرامج .

    وكما أن أصحاب الفكر الضال وأذنابهم يملكون تأثيراً إعلامياً كبيراً استطاعوا من خلاله من التأثير في الشباب ، فأنتم أولى بالتأثير في شبابنا ليعودوا للمنهج الوسطي الذي تركنا عليه نبينا صلى الله عليه وسلم .

    وفي الختام ، أبعث برسالتين :

    الرسالة الأولى لذلك الشاب الذي خرج عن منهج أهل السنة والجماعة وانتمى للتنظيمات المتطرفة .

    أخي الشاب ، أين عقلك حينما تسلمه لخليفةٍ لم تره ولم تسمعه ربما إلا مرةً واحدة ، أين دينك الذي تعلمته في كتاب ربك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم .

    ماذا تقول لربك يامن قتلت والدك أو ابن عمك أو أي مسلم حينما يسألك ربك، أوما قرأت قوله تعالى " ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً ".

    أخي الشاب حينما تكفر الحاكم أو العالم ، هل درستَ ضوابط التكفير ، هل تعلمت القواعدَ العقدية ، هل تعرف ما يُسّمى بموانعِ التكفير ، هل جلست مع عالم يتحدث عن خطورة التكفير ؟

    أيها الشاب ، لقد ضللتَ عن الصراط المستقيم حينما كفرت مجتمعك ، ثم زاد ضلالك لما أقدمت على قتل أهل الإسلام وتفجير بيوت الله .

    أرأيت أيها الشاب ماهي نتائج الغلو ، إنها تقودك من ضلال إلى ضلال ، لقد خدعك ذاك الذي أعطاك الحزامُ الناسف لتقتل نفسك وتقتل المسلمين ، فلماذا لم يفعل ذلك بنفسه ؟

    أيها الشاب إن وطنك بحاجة إليك ، وأنت بحاجةٍ إليه ، فأدرك نفسك ، ولاتدخل في متاهات الغلو والانحراف ، وتعال إلى الحياة الطيبة في بلدك وبين إخوانك .

    أخي الشاب ، لقد ذهب بعض الشباب لتلك الجماعات المتطرفة ولم يجدوا عندها إلا التناقض والاضطراب والضياع ، فأدرك نفسك قبل أن تقع ضحية لهم .

    الرسالة الثانية : لك يارجل الأمن .

    يا أيها البطل ، إنك بعد الله تحمي مجتمعك الذين هم إخوانك في الدين .

    إنك تحمي المساجد وعمارها وعبادها ، إنك الحصن الذي نختبئ وراءه ، إنك الرجل الذي نفخر به وندعو له .

    امضِ على ما أنت عليه ، وقاوم كل منحرف وضال ، أنت على ثغر عظيم في حماية بلاد المسلمين .

    وما يدريك لعل ساعةً تسهرها في حفظ الأمن هي تلك الساعة التي ترضي بها ربك وتنتقل بها لجنان الخلد .

    اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء .
    اللهم احفظ شبابنا ومجتمعاتنا من كل انحراف فكري وسلوكي .
    اللهم وفق الدعاة والمفكرين لبيان الحق والنصح للمسلمين .

    اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك .
    اللهم كن لإخواننا في كل بلاد المسلمين ، فرج همومهم ، يسر أمورهم ، انصرهم على عدوك وعدوهم .
    سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين . 

     


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم(2 )

    0:00

    سورة الرعد

    0:00

    ماذا بعد رمضان ؟!

    0:00

    الإيمان بالملائكة

    0:00

    لمثل هذا فليعمل العاملون

    0:00



    عدد الزوار

    4139065

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1591 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة