• الخميس 18 رَمَضان 1445 هـ ,الموافق :28 مارس 2024 م


  • صلاح الأمة في علو الهمة

  •  

    الحمد لله الذي يحبُ معالي الأمورِ وكمالاتِها ويكرهُ ساسفِ الأمورِ ونقائصها .

    اللهم صل وسلم على نبيك الذي كان عالي الهمة في العلم والعمل والتعليم .

    اللهم ارض عن صحابة نبيك الذين كانوا رعاةً للغنم فأصبحوا قادةً للأمم .

    أما بعد ، فهل سمعتم بذلك الرجل الذي عاش إلى ستين سنة ، ولكنه مات في الثلاثين ، نعم لقد عاش إلى الستين ولكنّ سنواتُ النجاح توقفت عند الثلاثين .

    وملخصُ الكلام : إن عمركَ الحقيقي ليس هو في السنين التي تعيشها ، إن العمرَ الحقيقي هو تلك اللحظات التي عشت فيها بهمةٍ عالية وطموحٍ كبير .

    إذا عاشَ الفتى ستين عاماً           فنصفُ العمرِ تمحقه الليالي
    وربعُ العمرِ يمضي ليس يدري     أيقضى في يمينٍ أو شمال
    وربع العمرِ أمراضٌ وشيبٌ        وشغلٌ بالتفكر في العيال

    أيها الفضلاء ، سوف آخذكم هذا اليوم في روضاتٍ من الهمم العالية ، تعالوا معي إلى صفحاتٍ من حياةِ أصحابِ الهمم.

    إلى نماذج من حياة الأبطال، لعلنا نستيقظ من غفلتنا وننهض من رقدتنا .

    علو الهمةِ صفةُ كمالٍ فيك ، ودليلٌ على سموِ نفسك ورقيها .

    وإذا كانتِ النفوسُ كباراً         تعبت في مرادها الأجسامُ

    ياطالب الجنان ، إن منازل الجنة تُبنى بالهممِ العالية ؛ لأن الجنة غالية .
    انطلق نحو المعالي والقمم ولاتبالي بالقاعدين ، العمرُ يسير وهو يسير فلابد أن نسير .

    انظر في همم الأنبياء والمرسلين ثم طالع سير الخلفاء والصحب الكرام .

    وما المرءُ الا حيثُ يجعلُ نفسهُ         ففي صالحِ الاعمالِ نفسكَ فاجعل


    جولة في التاريخ :

    زيدٌ بن ثابت يجمع القرآن وهو شاب لم يتجاوز الثامنة شر ، وأسامة بن زيد يقودُ الجيوش وهو في الثامنة عشر ، ومعاذُ بن جبل يكون إمام العلماء وهو لم يبلغ الثلاثين .

    الإمام البخاري يجمعُ أحاديثَ الرسول صلى الله عليه وسلم ويخرجُ لنا أصحَ كتابٍ بعد كتاب الله وهو في مقتبل عمره ، وهذا ابن تيمية يقفُ لوحدهِ يجاهدُ بعلمهِ تلك الفرق المخالفة والمذاهب الباطلة .

    وهذا ابن باز يفقد بصره وهو في مقتبلِ عمرهِ وينطلقُ في طلبِ العلم حتى يكونَ رأساً في تاريخ العلماء .

    هذا الإمام الألباني يخرج لنا من ألبانيا بمهنةِ مُصلِّحِ ساعات ومن ثمَّ ينطلقُ لدراسةِ أحاديثِ النبي صلى الله عليه وسلم ثم يكونُ بعد سنوات من علماء الزمن ومحققي العصر حتى أصبحَ الواحدُ منا لايطمئن إلا إذا سمع أن هذا الحديث صححه الألباني .

    فقل لمرجي معالي الأمور     بغير اجتهادٍ رجوت المحال

    عجباً للهمم كيف ترفعُ الأسماء عالياً في الحياةِ وبعد الممات .

    ياطالب المجد ، إن بينك وبين الوصولِ للقممِ بعضُ الأشواكِ والعقبات ، ولكن بعدها ستذوق طعمُ النجاحِ والصبر .

    ابتعد عن الكسالى والضعفاء الذين يضعفونك ويسرقون وقتك ويريدونك أن تبقى معهم في مؤخرة الركب ، دعهم يتقلبون في وادي الكسل ، وانهض واركب قاربَ النجاةِ لتصل إلى رياض المجد .


    يامريد الهمم ، ارفع يديك إلى ربك واسأله الإعانةَ على الارتقاء في سماء المجد ، 
    إن الاعتصامَ بالله يحققُ الطموحات ويُسهلُ كلَ عسير " وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ".

    اقرأ في الكتبِ التي تدفعك للهمم ، وانظر في قصصِ الكبارِ والأبطال واملأ ناظريك بأخبارهم .

    فاتني أن أرى الديارَ بطرفي         فلعلي أرى الديارَ بسمعي

    كن عزيز النفس عن إضاعةِ حياتك في توافهِ الأمور، كن شحيحاً بوقتك ، ذكياً في إدارته حسبَ الأولويات في حياتك، واعلم أن استغلال الوقت هو أكبرُ طريقٍ لتحقيقِ أهدافك وطموحاتك .


    يا طالب النجاح ، لاتلم الساعات ، لا تلم الزمان ، فالزمان
     هو هو لم يتغير ، ولكن الناجحين عرفوا كيف يتعاملون مع الساعات فكانت النتائج عالية.

    تأكد أن الحياةَ تحتاج إلى مغامراتٍ كثيرة ، وأن النجاح لن يكون لعاشق الوسادة .

    ومن يتهيب صعودَ الجبال         يعش أبد الدهرِ بين الحفر


    يا أخي ، جدد حياتك وانطلق في سماءِ الإبداع،  و
    انزل لميدان الحياة ، وانهض بهمةٍ وعزيمة ، وجاهد نفسك ليكون لك أثر، واكتسب بعرقك ولا تقبل أعطيات الناس ، وكن عفيفاً عزيز النفس .

    صاحب أهل الطموح وزاحم طلاب المجد الذين تستحي من أعمالهم وأهدافهم ، والمرء على دين خليله .

    أنت بالناسِ تقاس بالذي اخترتَ خليلاً   
    فاصحبِ الاخيارَ تعلو وتنل ذكراً جميلاً .

    كن من الصابرين الذين ينتظرون ساعة النصر .

    أما سمعت بخبرِ يوسف عليه السلام الذي يُرمى في البئر ، ثم يباعُ بثمنٍ بخس ثم يكونُ في قصر الملك ثم تراودهُ المرأة ثم يرفض لعفافه وتقواه ، ثم يهددونه بالسجن فيصبر " فلبث في السجنِ بضع سنين " .

    وبعد كلِ ذلك " يكون سيداً مطاعاً وزيراً ذا شأن ( إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ).

    قصص في الهمم :
    علو الهمة في الدعوة الى الله تعالى :
    هذا أحمد ديدات الداعية الأعجوبة ، الذي يحفظ القرآن ويكاد يحفظ الإنجيل بإتقان ، ثم يعقد المؤتمرات في مناظرة النصارى ، ويسلمُ على يديه الآلاف، ويشكك مئات الألوف من النصارى في عقائدهم، ويأخذ جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام في سنة ١٩٨٦ .

    وهذا الدكتور عبدالرحمن السميط يرفضُ أن تكون حياته الوظيفية في أوربا ، ويختارُ القارة الأفريقية التي تفتقر لأبسط مقومات الحياة ويقضي نحو ٢٩ سنة من عمره في أدغال أفريقيا للدعوةِ إلى الله تعالى ، ويصبر ويجاهد نفسه ، مع معاناته من الأمراض العجيبة ، ولكن ماذا حقق من أهداف؟
    يسلم على يديه نحو ١١ مليون . ويبني نحو ١٠٠٠مسجد ، ويرعى نحو ٢٠٠٠يتيم ، ويبني عشرات المراكز والجامعات .

    عجباً لتلك الأرواح التي سكنت تلك الأجساد .

    والعجيبُ في سيرته أنه لما استلم جائزةَ الملك فيصل لخدمة الإسلام، تبرّع ب٧٥٠ ألف ريال لتكون نواةً للوقف التعليمي لأبناء أفريقيا ، نعم والله " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ".

    ولازلنا في حكايات الهمم ، في المحافظة على الصلاة نقف على جملة من القصص :
    يقول صاحبي أحمد : ياشيخ أقسم لك بالله أن عشرَ سنوات مضت من عمري لم تفتني صلاة الفجر ولا سنتها القبلية " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ "، 
    وتحت ظل العرش سيكون هناك مقاعد لرواد المساجد " ورجل قلبه معلق بالمساجد ".

    وهذا رجلٌ كفيفُ البصر يعلق حبلاً ممتداً من بيته إلى المسجد حتى يدرك صلاة الجماعة ، وآخر يأتي للمسجد وهو يحبو ، ورابع يأتي بعكازته، وخامس يأتي بعربية الكهربائية .

    وفي مدارس التحفيظ لازلنا نسمع القصص التي تثير الحماس وتملأ الروح همةً ونشاطاً .

    قال صاحبي : والدةُ زوجتي كفيفة ولكنها تحضر لمدارسة التحفيظ ولا تغيب إلا لعذر وإن غابت فإنها تتصلُ بالهاتف على معلمات القرآن لتقرأ وردها من القرآن عبر الهاتف .

    وفي ذلك المسجد تحضر تلك المرأة مشياً على الآقدام من مسافة كيلو تقريباً .
    ولن أنسى قصة تلك التي تحضر للمسجد بالعربية الكهربائية .

    ياعجباً لتلك الهمم التي تعلقت بالقرآن ، ياترى لماذا كل هذا الحب ؟ إنه الاختيار الرباني وكفى " خيركم من تعلم القرآن وعلمه ".


    ياعبدالله ، قم من مكانك وغيّر اهتماماتك وانهض بكلِ عزمٍ وجد ، ودع عنك التسويف والتأجيل فماهي إلا حيلُ إبليس .

    لقد مضى من عمرك زمن لا بأس به وربما كان ذلك في فوضويات الحياة ، ولا يصح أن تكتب على زمنك القادمِ بمثل ذلك .

    إن التغيير يبدأ من الداخل ، من نفسك أنت " إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ".

    لايصح أن ترمي بفشلك على الآخرين ، لاتتهم والديك ولا زوجتك ولا مجتمعك ولا وطنك ، اتهم نفسك ثم اتهم نفسك ثم انهض من جديدٍ لمستقبلٍ مشرق .

    حاول جسيماتِ الأمورِ ولا تقل         إن المحامدَ والعلا أرزاقُ
    وارغب بنفسك أن تكون مقصراً        عن غايةٍ فيها الطِلابُ سباقُ

    اللهم وفقنا للخيرات .

    ---------

    الحمد لله ، معاشر الكرام ، إن النفسَ تحتاجُ لمجاهدةٍ ومحاسبة لترويضها على معالي الامور ، فاصبر في جهاد نفسك ، وتذكر إعانةَ الله لك ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ).

    إن طريق المجد محفوف بالصعاب ولكن بعد ذلك ستقعُ عينك على مايسرك، وفي واقعنا كم نحتاج إلى علو الهمة في كل وظائفنا وأعمالنا .

    هذا المدرس نريدُ منه المزيد من الإبداع في تربيةِ الطلاب وتعليمهم ليكونوا بناءً مميزاً لمجتمعهم .

    هذا الأب نريده مربياً لأسرته على معالي الأمور ومحاسن الأخلاق ، كن مثالاً لأولادك في الصدق والتعبد لله تعالى والنجاح في كل مجالات الحياة .

    هذا الجندي في موقعه العسكري نريد منه الهمة العالية ليكونَ حامياً لبلده ومقدساته .

    هذا الطبيب نريده طبيباً مخلصاً مميزاً بسّاماً في وجوه المرضى لينقلهم لعالم التفاؤل والأمل .

    وأنت يارجل الأمن يامن تواجه المجرمين والمفسدين ، اجتهد في عملك واحتسب الأجر في الحفاظِ على أمن بلدك .

    أيها الموظف في أيِّ قطاعٍ كنت ، وفي أي تخصصٍ ، نحن نريدك مميزاً في دوامك ، معيناً على قضاء حوائج الناس، ضع بصمتك في وظيفتك واحذر من الكسل والتسويف الذي يضرُ بك ويؤخر مسيرةَ بلدك ونموه الثقافي والخدمي والصحي والاجتماعي .

    أيها الفضلاء ، إن كلَ نجاحٍ نراه في مجتمعنا إنما هو نتيجةٌ لتميز ذلك الفريق الذي يقفُ خلفَ هذا النجاح سواءً كان في أمن البلد أو في المستشفيات أو في الطرق أو في التعليم أو في الطيران أو في المساجد والحلقات .

    تميزوا ليكونَ مجتمعُنا متميزاً بين كلِ المجتمعات.

    هذا زمانٌ لاتوسطَ عنده          يبغي المغامرَ عالياً وجليلاً
    كن سابقاً فيه أو ابق بمعزلٍ     ليس التوسطُ للنبوغِ سبيلا

    اللهم وفقنا لما تحب وترضى ، اللهم ارزقنا الهمة العالية في الدين والدنيا .
    اللهم ارزقنا التقوى في السر والعلانية .



    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    رسائل في طلب العلم

    0:00

    البنات وثقافة الزواج

    0:00

    عشرون رسالة من زوجتك

    0:00

    الإيجابية في الحياة

    0:00

    تلاوة من سورة الأنبياء 89-90

    0:00



    عدد الزوار

    4099914

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 90 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1589 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة