العشر الأواخر من رمضان

عدد القراءات : 3803

الحمد لله الذي هدى بكتابه القلوب فقال تبارك وتعالى " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ".

الحمد لله الذي وفقنا لإدراك رمضان وأعاننا فيه على الصيام والقيام وقراءة القرآن .

وأصلي وأسلم على إمام العابدين والصائمين والقائمين والمعتكفين، الذي كان إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان أحيا ليله وشد مئزره وأيقظ أهله .

أما بعد .

معاشر المسلمين ، نحن في العشر الأواخر من رمضان، وهي أيام جليلة وعظيمة القدر عند الله .

فاجتهدوا في هذه اليالي وتنافسوا في بقية الساعات، واعلموا أن الله ينظر إليكم فأروا الله من أنفسكم خيراً .

وإن مما يلاحظ أن تجدَ بعض الناس لديه نشاطُ في بداية رمضان في الصلاة والقراءة والدعاء ولكنه في العشرِ الأواخر يُصابُ بالفتورِ والنقصِ والضعف والتأخر.

قم ياعبدالله وانفض غبار الكسل من حياتك، واجتهد في هذه الليالي العظيمة لعلك تفوز بالثواب الكبير من الرب الكريم .

قم واجتهد لتدرك عظيم الأجر في ليلة القدر ، لعلك تصادف باباً من أبواب الرحمات من الرحمن الرحيم فيكتبك من عتقاءه من النار .

ياعبدالله ، رتب وقتك في هذه العشر ، من جلوسٍ في المسجد للقراءة والدعاء ، ومن جلوسٍ مع الأهل في خدمة ومؤانسة ، ومن قضاء بعض حاجاتِهم .

ولعلي أهمسُ لك بهمسة : اجعل وقت نهارك في هذه العشر هو وقتُ الشراء مع أهلك لحاجاتهم ومايرغبون فيه من مستلزماتِ العيد ونحوها لكي تتفرغ في ليالي العشر للعبادة والاعتكاف .

عباد الله ، إن العشر الأواخر من رمضان لها عدة مزايا .

فمن مزاياها : أن فيها ليلة القدر ، وليلة القدر تتعلق بها بعض المسائل :

- قال تعالى " إنا أنزلناه في ليلة القدر " فهي الليلة التي أنزل فيها القرآن ، وهذا شرفٌ كبيرٌ لها .

- وهي ليلةٌ خير من ألف شهر كما قال تعالى " ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر " أي أن العملُ فيها خيرٌ من العملِ في ٨٣ سنة ليس فيها ليلة القدر.

- أن من قامَها إيماناً واحتساباً غُفر له ماتقدم من ذنبه .

- وسُمَّيت بليلة القدر : لِعِظم قدرها وشرفها ، ولأن فيها تقدير الأقدار السنوية التي يكتبها الله لعباده ، كما قال تعالى " فيها يُفرق كل أمرٍ حكيم ".

- وفيها تتنزل الملائكة كما قال تعالى " تنزلُ الملائكة والروحُ فيها ".

- وهي ليلة خالية من الشر والأذى كما قال تعالى " سلامٌ هي حتى مطلع الفجر ".

- وليلة القدر تكون في ليالي الوتر من العشر ، ويستحب تحريها والاجتهاد فيها طلباً للفوز بها ،كما قال صلى الله عليه وسلم " التمسوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان " رواه البخاري .

- وقد أخفاها الله ليجتهدَ العبادُ فيها ، لإنها لو كانت معلومة لاجتهد العباد في ليلةٍ وتركوا بقية الليالي .

- ويستحبُ الإكثار فيها من قول " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني " .

معاشر الصائمين، ومما يحسن التذكير به أن المرأة الحائض والنفساء يمكنهم عمارة الوقت في ليالي العشر وليلة القدر بالدعاء والذكر والتسبيح والتهليل ليفوزوا بالحسنات في ليلة القدر .

معاشر المسلمين ، ومن مزايا العشر الأواخر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتكف فيها حتى توفاه الله . رواه البخاري .

والاعتكاف هو : لزوم المسجد للتعبد لله تعالى والتقرب إليه، والاعتكاف سنة نبوية كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله كل عام منذ أن دخل المدينة ، ولكنك تتأسف لتقصير بعضِ الناس فيه حتى إن بعض الناس لم يعتكف طوالَ حياته ولايوماً واحداً .

واعلموا رحمكم الله أن المقصود من الاعتكاف هو : الخلوةُ بالله تعالى والتعبدُ له والأنسُ به وتذوق حلاوة العبادة والبعد عن مفسدات القلب من الكلام والطعام والخلطة والملهيات الأخرى .

نعم عباد الله ، إن للإيمانِ حلاوةً وطعماً ومذاقاً عظيماً يشعر به من لازم التقرب من الله وفي الحديث الصحيح : ثلاث من كنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان ، وقال صلى الله عليه وسلم : ذاق طعم الإيمان .

يا الله ما أعظم الفرق بين حلاوة الإيمان وبين تلك اللذة التي يزينها الشيطان لمن يطيعه في تلك الشهوات .

تفنى اللذاذةُ ممن نال صفوتُها من الحرامِ ويبقى الاثمُ والعار

تبقى عواقبُ سوءٍ في مغبتها لاخير في لذةٍ من بعدها النار

اللهم وفقنا لإدراك ليلة القدر لنفوز بعظيم الأجر ، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .

-----------------

الحمد لله .

أيها الناس، اعلموا بارك الله فيكم أن الاعتكافُ تتعلق به جملةً من الأحكام ومنها :

- لايصح الاعتكاف إلا في مسجد ، والأفضل أن يكون مسجدُ جمعة حتى لايخرج المعتكف للجمعة في مسجد آخر .

- لايجوز للمعتكف أن يخرج إلا لحاجةٍ كتناولِ طعام أو قضاء حاجة ونحوها.

- ويصح الاعتكاف ولو ليوم واحد أو ليلةٍ واحدة .

- ويجوز للمرأة أن تعتكف ولكن مع مراعاة الظوابط الشرعية .

- ومن كانت أسرتُهُ بحاجةٍ له فلاينبغي أن يعتكف كمن لديه والدةٌ مريضة أو زوجة أو ولد يحتاج لرعايته فحينئذ يكون الاعتكاف سنة ولكن خدمة الأسرة من الواجبات .

أيها الكرام ، إن مما ينبغي التنبيه له، الحذر من أخطاء بعض المعتكفين، ومنها:

- النومُ لساعاتٍ طويلة من النهار .

- والانشغال بالجوال عن العبادة .

- وكثرة الحديث مع المعتكفين في أمور الدنيا والجدال والحوار فيما لاينفع .

أخي المسلم ، ونحن في الأيام الأخيرة من رمضان أوصيك بأمور :

1- انتهز الفرصة في خلوتك بالله تعالى واجعل همتك في تزكية نفسك لله تعالى .

2 - ادع للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها .

3 - حاسب نفسك على عمرك الذي مضى ، واصدق مع الله في التوبة لعل الله أن يقبلك في عباده التائبين .

4 - جاهد نفسك على علو الهمة في العبادة ، وتذكر أنها مجرد ليالي وتذهب من عمرك وربما لاتدركها في وقتٍ آخر ، " وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضها السماوات والأرض ".

قال عليه الصلاة والسلام : عجبتُ للجنة كيف نام طالبها وعجبت للنار كيف نام هاربها .

اللهم ياقريب يامجيب الدعوات تقبل من الصيام والقيام والدعوات .

اللهم اشملنا بواسع برحمتك وأدخلنا في واسع مغفرتك .

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

مكتبة الصوتيات