بدأ الشيب في شعرِ خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ولازال الشوق للولد يملأ الفؤاد .
يأتي الولد بعد انتظار طويل ، وتدخل سعادة الأبوة لقلب الخليل .
ينمو الولد ويتجاوز العاشرة ويبلغ الثالثة عشر وتبدأ حلاوته وخدمته لأبيه .
ينام الخليل ، ويأتي الوحي إليه " اذبح ابنك " .
يا الله ، ما أشد البلاء .
أأذبح ابني يارب وقد انتظرته عشرات السنين ؟.
يأتي الصباح ، وتقوم الأسرة ، ويتقابل الأب مع الابن ، يا ترى هل يخبره ؟ وكيف يخبره ؟
إنه الوحي " ورؤيا الأنبياء وحي " وأمر إلهي لا بد من الالتزام به .
وفي لحظة أبوية يُصِّرح الخليل ، ولكن بماذا يُصِّرح ؟ هل يخبر ولده بأنه يحبه ؟ أم يفاجأه بهدية تناسب براءة طفولته ؟.
لقد كانت كلمات الأب قوية في حروفها ( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ) ما أصعب المنام وما ألطف الكلام والإخبار .
الابن إسماعيل يُنصت بكل أدب لكلام أبيه النبي المختار ، إنه ذبح ودم .
حينها ينطق الابن الذي نشأ في مدرسة الخضوع والتسليم للرب الرحيم ( يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ) ، هيا يا أبت ، خذ السكين ، ونفذ ما أمرك الله به .
وكأني أرى الخليل وهو يسمع جواب ابنه تتقاطر منه دموع الرحمة ، ولكن الدموع تتوقف إذا تذكرت أن القضية استجابة لله جل في علاه .
( يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ) هيا لا تتأخر عن فعل الأمر يا أبت ، أنا بين يديك .
ثم يتبرأ إسماعيل من حوله وقوته ويستعين بربه في صبره على ألم الذبح ( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) ، إنه الإيمان حينما يثبت في القلوب .
يلتفت إبراهيم للسكين ، وتختلط بمشاعره وعواطفه ، ثم يلتفت إلى ابنه الذي طال انتظاره له.
تبدأ السكين السير نحو رقبة ابنه وحبيبه ، فهل تصل ؟.
الابن قد اضطجع مستسلماً مطمئناً وكأنه ينتظر نومةً هادئة .
الأب يستسلم لأمر ربه والابن يستسلم لأمر والده ( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) .
والجبين : أحد جانبي الوجه .
هناك رمى إسماعيل بوجهه نحو الأرض لكي لا يرى تلك السكين وهي تداعب رقبته ، وتقترب السكين ومشاعرهما في اضطراب كبير .
هنا، وفي تلك اللحظة يتنزل الوحي معلناً نهاية الامتحان ( وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ . وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) .
رويداً يا إبراهيم ، لقد نجحت في الامتثال ، لقد صدقت واستجبت لي ، يا إبراهيم لقد امتحنتك ونجحت في البلاء المبين ، يا إبراهيم لقد أبدلتُ ابنك بذبح من الغنم عظيم .
يقوم إسماعيل من مكانه وقد نجح في الامتحان الرباني له ، وهكذا تكون نهاية التسليم للرب الحكيم المجيد .
ولنا مع هذه الحادثة وقفات :
1- الطريق إلى الله محفوف بالابتلاء والتمحيص .
2- الدعاة الذين يريدون طريق الدعوة سهلاً لم يفهموا حقيقته جيداً .
3- التسليم لكل أوامر الله مهما كانت شاقة ومخالفة لما تعودنا عليه .
4- التربية الصالحة التي كانت في بيت الخليل عليه السلام جعلت من الابن إسماعيل " ولداً صابراً محتسباً ".
5- الاستعانة بالله عند نزول البلاء وطلب المدد منه .
6- سيجعل الله بعد عسر يسراً ، فهذا البلاء لاشك أنه ثقيل على نفس الأب والابن ، ولكن ما إن امتثلا لله تعالى إلا وجاء الفرج والنصر والتعويض الرباني .
مكتبة الصوتيات
كيف نتبع رضوان الله
0:00
قصة الطفل الذي لم يغرق
0:00
تنبيهات للآباء
0:00
همسات حول الشتاء
0:00
تعليم الناس الخير
0:00
عدد الزوار
4169085
إحصائيات |
مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب |
مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم |
مجموع المقالات : ( 1591 ) مقال |
مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة |