• الاثنين 20 شَوّال 1445 هـ ,الموافق :29 ابريل 2024 م


  • رويداً بالسكين يا إبراهيم

  •  


    بدأ الشيب في شعرِ خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ولازال الشوق للولد يملأ الفؤاد .

    يأتي الولد بعد انتظار طويل ، وتدخل سعادة الأبوة لقلب الخليل .

    ينمو الولد ويتجاوز العاشرة ويبلغ الثالثة عشر وتبدأ حلاوته وخدمته لأبيه .

    ينام الخليل ، ويأتي الوحي إليه " اذبح ابنك " .

    يا الله ، ما أشد البلاء .

    أأذبح ابني يارب وقد انتظرته عشرات السنين ؟.

    يأتي الصباح ، وتقوم الأسرة ، ويتقابل الأب مع الابن ، يا ترى هل يخبره ؟ وكيف يخبره ؟

    إنه الوحي " ورؤيا الأنبياء وحي " وأمر إلهي لا بد من الالتزام به .

    وفي لحظة أبوية يُصِّرح الخليل ، ولكن بماذا يُصِّرح ؟ هل يخبر ولده بأنه يحبه ؟ أم يفاجأه بهدية تناسب براءة طفولته ؟.

    لقد كانت كلمات الأب قوية في حروفها ( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ) ما أصعب المنام وما ألطف الكلام والإخبار .

    الابن إسماعيل يُنصت بكل أدب لكلام أبيه النبي المختار ، إنه ذبح ودم .

    حينها ينطق الابن الذي نشأ في مدرسة الخضوع والتسليم للرب الرحيم ( يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ) ، هيا يا أبت ، خذ السكين ، ونفذ ما أمرك الله به .

    وكأني أرى الخليل وهو يسمع جواب ابنه تتقاطر منه دموع الرحمة ، ولكن الدموع تتوقف إذا تذكرت أن القضية استجابة لله جل في علاه .

    ( يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ) هيا لا تتأخر عن فعل الأمر يا أبت ، أنا بين يديك .

    ثم يتبرأ إسماعيل من حوله وقوته ويستعين بربه في صبره على ألم الذبح ( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) ، إنه الإيمان حينما يثبت في القلوب .

    يلتفت إبراهيم للسكين ، وتختلط بمشاعره وعواطفه ، ثم يلتفت إلى ابنه الذي طال انتظاره له.

    تبدأ السكين السير نحو رقبة ابنه وحبيبه ، فهل تصل ؟.

    الابن قد اضطجع مستسلماً مطمئناً وكأنه ينتظر نومةً هادئة .

    الأب يستسلم لأمر ربه والابن يستسلم لأمر والده ( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) .

    والجبين : أحد جانبي الوجه .

    هناك رمى إسماعيل بوجهه نحو الأرض لكي لا يرى تلك السكين وهي تداعب رقبته ، وتقترب السكين ومشاعرهما في اضطراب كبير .

    هنا، وفي تلك اللحظة يتنزل الوحي معلناً نهاية الامتحان ( وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ . وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) .

    رويداً يا إبراهيم ، لقد نجحت في الامتثال ، لقد صدقت واستجبت لي ، يا إبراهيم لقد امتحنتك ونجحت في البلاء المبين ، يا إبراهيم لقد أبدلتُ ابنك بذبح من الغنم عظيم .

    يقوم إسماعيل من مكانه وقد نجح في الامتحان الرباني له ، وهكذا تكون نهاية التسليم للرب الحكيم المجيد .

    ولنا مع هذه الحادثة وقفات :

    1- الطريق إلى الله محفوف بالابتلاء والتمحيص .

    2- الدعاة الذين يريدون طريق الدعوة سهلاً لم يفهموا حقيقته جيداً .

    3- التسليم لكل أوامر الله مهما كانت شاقة ومخالفة لما تعودنا عليه .

    4- التربية الصالحة التي كانت في بيت الخليل عليه السلام جعلت من الابن إسماعيل " ولداً صابراً محتسباً ".

    5- الاستعانة بالله عند نزول البلاء وطلب المدد منه .

    6- سيجعل الله بعد عسر يسراً ، فهذا البلاء لاشك أنه ثقيل على نفس الأب والابن ، ولكن ما إن امتثلا لله تعالى إلا وجاء الفرج والنصر والتعويض الرباني .


    مواد آخرى من نفس القسم

    مكتبة الصوتيات

    كيف نتبع رضوان الله

    0:00

    قصة الطفل الذي لم يغرق

    0:00

    تنبيهات للآباء

    0:00

    همسات حول الشتاء

    0:00

    تعليم الناس الخير

    0:00



    عدد الزوار

    4169085

    تواصل معنا


    إحصائيات

    مجموع الكتب : ( 21 ) كتاب
    مجموع الأقسام : ( 92 ) قسم
    مجموع المقالات : ( 1591 ) مقال
    مجموع الصوتيات : ( 996 ) مادة